التعسف في استعمال الحق بين الشريعة و القانون


التعسف في استعمال الحق
بين
الشريعة و القانون


أبواب  الاشتغال
الباب التمهيدي: الموضوع محل البحث
الباب الأولالبنيان القانوني والشرعي لنظرية التعسف في استعمال الحق
الباب الثاني: تطبيقات لنظرية التعسف في استعمال الحق
ü      : تطبيقات تشريعية وقضائية
خاتمة البحت

محمد وردغي



بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعين به و نستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، و أشهد أن محمد عبده ورسوله بلغ الرسالة و أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين أما بعد :
وعلى رغم الموانع وضيق الوقت، أوجبنا على انفسنا الإسهام في هذا الأسبوع، واخترنا من بين الموضوعات المقترحة موضوع: "التعسف في استعمال الحق"؛ لأنها نظريَّة يدعى على الشريعة الإسلامية القصور فيها.
إن تعريف التعسف في استعمال الحق و ما يتعلق بهما من مسائل من أهم القضايا في الشريعة الإسلامية ولذلك فقد اهتم الكثير من العلماء بهذه المسائل و خاضوا فيها و اختلفت أقوالهم و آرائهم حولها ،ويرجع سبب الاهتمام بهذا الموضوع و الاختلاف فيه إلى عدة أمور وهي:

v    البنيان القانوني والشرعي لنظرية التعسف في استعمال الحق ومجالات تطبيق هذه النظرية:
تجدر الإشارة بداية إلى أن ش إ هي أول من عرفت النظرية عكس القانون البروسي الذي يقول أهله أنه أول من نادى بهذه النظرية سنة 1788
وسوف نتتبع نشأة هذه النظرية في القوانين الوضعية ابتداء من القانون الروماني فالقانون الفرنسي ثم القانون المدني المصري القديم والجديد ثم نختم هذا التطور بموقف الفقه الإسلامي من هذه النظرية
اهتمت الشريعة الإسلامية قبل القوانين الوضعية بنظرية التعسف في استعمال الحق انطلاقاً من القاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار» وقيدت الحقوق الخاصة للإنسان عند استعماله إياها حتى لا يضار الغير، سواء توفرت فية الإضرار أو تجاوز الحدود المألوفة أو عدم انسجامه مع المصلحة العامة للمجتمع، ويعتبر التعسف في استعمال الحق خروجاً عن حدود الحق نفسه. مكنت ش ا فقهاء الإسلام لان يشيدوا طرح هذه النظرية مند ق 19. مع العلم أن الشارع الأعلى من قرر أحكام ش ا وذلك لتحقيق مصالح العباد.
فالمسلم له استعمال حقه الخاص بشرط أن لا يلحق هذا الاستعمال إضرارا بمصلحة الغير فالمالك له أن يبني في أرضه ما يشاء ولكن لجاره الحق في أن لا يضار ببنائه بأن يفوت عليه مصلحة مشروعة له كأن يكشف عوراته، ونخلص إلى أن استعمال الحق المشروع ليس مطلقاً بل مقيد بضوابط الغرض منها ألا يلحق هذا الاستعمال ضرراً بالآخرين.
         عند خروج الشخص في استعماله لحقه عن هذه الغايات فانه بذلك يكون قد قصد إلى تحقيق غاية غير مشروعة.فعندما شرع الله تعالى الطلاق كحق للزوج إلا لظروف معينة كفساد الزوجية لا لمجرد الاستمتاع الشهواني.لقوله تعالى {إن ابغض الحلال عند الله الطلاق}
         وكذلك  ألا يقصد الإضرار بالغير مثل التعسف في استعمال الرجل حق مراجعة الزوجة بقصد الإضرار بها لقوله تعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا}، فهذه الآية فيها نهي عن استعمال حق الرجعة بقصد الإضرار بالزوجة.
         كذلك عدم التناسب بين المصلحة من استعمال الحق والضرر الواقع على الغير، مثل أن يغرس صاحب الدار شجرة بجوار بيت ملاصق له تكون سبباً في تسلق اللصوص لبيت جاره، كذلك التعسف في استعمال الحق استعمالاً غير مشروع يؤدي إلى الإضرار بالغير

         النظرية في القانون الروماني والفرنسي القديم: 1
يمكن جمع أفكار الفقهاء والمشرعين الفرنسيين في فكرة واحدة مضمونها انه لا يجوز للشخص أن يستعمل حقه بقصد الإضرار بالغير.كما جاء في قول بوتيبيه {لا يجوز للمالك أن يعمل عملا مضرا بالجار ومناقضا لالتزامات الجوار}
وما ذهب إليه دوما من انه لا يسوغ  للمالك أن يأتي في عقاره من شأنه مضايقة العقار المجاور أو الإضرار به كإحداث دخان كثيف في قرية أو كور.
وهكذا يظهر بأن من أقوال الفقهاء السابقة  أن التعسف في استعمال الحق في القانون الفرنسي القديم كان مجرد فكرة مضمونها عدم جواز استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير. أي أنه نفس المضمون الموجود في القانون الروماني الذي يمنع الشخص أن يستعمل حقه بهدف الإضرار بالغير أو بما يتنافى ومبادئ الأخلاق وقواعد العدالة أو يتعارض ومصلحة الجماعة فان استعمل حقه بغرض الإضرار بالغير أو بما يتعارض ومصلحة الجماعة فقد حق عليه عقاب وكان هذا العقاب  يتمثل في جزاء مدني وهو التعويض وأحيانا جزاء جنائي كالوصمة.


         النظرية في القانون المصري الجديد: 2
جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع المجموعة المدنية المصرية الجديدة ما يلي{ أن المشروع لا يقدس حرية الفرد إلى الحد أن يضحي من أجلها بمصلحة الجماعة ولا يجعل من سلطان الإرادة المحور الذي تدور عليه الروابط القانونية بل هو يوفق ما بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة. ثم هو بين الفرد والفرد لا يترك القوي يصرع الضعيف بدعوى وجوب احترام الحرية الشخصية. فليس الشخص حرا في أن يتخذ ما هيأته له النظم الاجتماعية والاقتصادية من قوة تئكه ليتعسف ويتحكم.
لذلك يقف المشروع إلى جانب الضعيف فيحميه. كما فعل في عقود الإذعان عندما جعل ما اشتمل عليه من شروط تعسفية محلا لتقدير القاضي.
         وقد حاول الفقه الإسلامي تحديد الصور التي تحقق التعسف، مما يستدعي تدخل القضاء برفع التجاوز في استعمال الحق وإبطال التصرف،ومن تلك الصور ان يقصد الإنسان من ممارسته لحقه الإضرار بالغير دون مصلحة يجنيها من هذا الاستعمال مثل حالة الطلاق في مرض الموت، قاصداً حرمان زوجته من الميراث، وكذلك إذا كان استعمال الحق بقصد تحقيق غرض غير مشروع مثل من يتدخل للإصلاح بين الزوجين وهو قاصد إفساد المرأة على زوجها للزواج بها، ويعد الإنسان أيضا متعسفاً في استعماله لحقه بقصد تحقيق مصلحة مشروعة لكن يترتب عليها ضرر بالغير أعظم منها او مساوئ لها، ومثال هذه الحالة الاحتكار في السلع، وكذلك إذا استعمل الإنسان حقه على وجه غير معتاد ينتج عنه ضرر بالغير، كمن استأجر شقة فجعلها مستودعاً فتضرر غيره، ومن صور التعسف ان يستعمل الإنسان حقه بلا ضابط من حيطة او حذر، فيحدث هذا الإهمال ضرراً بالغير، مثل ان يتوهم الصياد إنسانا من بعيد فيحسبه صيداً وبلا مبالاة يطلق عليه النار فإذا به يقتل إنسانا.
         ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو انا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما ارادوا هلكوا جميعاً وان اخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً بمعنى ان من يركب أسفل السفينة لهم الحق في استعمال نصيبهم بما لا يلحق الضرر بالغير.
         وقد عمل السلف الصالح بتلك المبادئ في قضائهم، فقد روى ان الفاروق رضي الله عنه قد ثبت حق الارتفاق لأصحاب الأراضي الزراعية المتجاورة بعضهم قبل بعض، فإذا امتنع صاحب الأرض الذي يراد الارتفاق بأرضه اعتبر متعسفاً في استعمال حقه، ويجبر على تمكين غيره من ترتيب ذلك الارتفاق بأرضه.
         الفقه الإسلامي أظلت رايته بلاد المسلمين في أكبر بقعة عرفها التاريخ على وجه الأرض ثمانين سنة وثلاثمائة وألفًا - صان فيها حقوق الناس، وحفظ مصالحهم فنعموا بعدالة التشريع وعدالة القضاء: ذلك العدل الذي من أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
         جهد القضاء والمفتون من الفقهاء في استنباط الأحكام من مصادر الشريعة كلما نزلت بهم قضية أو حزبهم أمر، فكانوا يحدثون للناس أقضية بقدر ما أحدثوا، ويصونون فيهم المصلحة التي أرادها الله من هذا الدين؛ كما يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فقامت بذلك الحجة البالغة على كمال هذا الدين، وعلى أنه شريعة الناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقامت بذلك الآية البينة على أن الفقه كائن حي ينمو ويؤتي أكله بإذن الله لتلبية حاجات الحياة ومطالبها على اختلاف ألوان المجتمعات في كل عصر ومصر، ونظرة واحدة إلى تطور الكتب الفقهية من زمن كبار الأئمة المجتهدين ترينا مبلغ الرقي المتزايد والنمو المُطَّرد الذي وصل إليه طالما كان يجلس مع القضاة على كراسي القضاء، ويقعد مع المفتين في المجامع والمساجد.
         النظرية:
         ونظرية التعسف في استعمال الحق تسميتها بهذا الاسم منقولة عن رجال الحقوق الغربيين؛ ولكنَّ هذه النَّظرية عرفها الإسلام منذ أرسل الله رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه الناس دينًا، وطبَّقوه في قضاياهم، وسائر علاقاتهم شريعة محكمة، بيَّن الحق كما بيَّن مصادره وأنواعَ التعدي عليه مباشرة وتسببًا وعمدًا وخطأً، وعن طريق التَّحايل والذَّريعة، فلم يترك قانونه قضية من غير حكم.
ولكن الذين يقرؤون لرجال القانون من الغرب، ولا يقرؤون الفقه الإسلامي دأبوا على أن يُعْجَبوا بكل ما نقلوه عن الغرب على حين يتَّهِمُون الفِقْهَ بقِصَرِ نظرياته، وجُمود أحكامه
         معنى التعسُّف في استعمال الحق:
         قسم علماء الشريعة الحقوق إلى ما هو حق العامَّة، وضابطه ما يتعلق به النفع العام للمجتمع من غير اختصاص بأحد؛ كالانتفاع بالطريق العام، والأنهار العامة، والمساجد، وهذا يثبت للناس جميعًا حق الانتفاع به والدفاع عنه، الثاني: الحق الخاص، وهو ما تتعلَّق به مصلحة خاصَّة للفرد؛ كحقِّه في ملكه، أو في ولايته على ولده، وميَّزوا بين الحقَّين: بأنَّ الأول: لا يمكن تمليكه ولا إسقاطُه، والثاني: يمكن تمليكه وإسقاطه.
وما دام التَّعسُّف في استعمال الحق شاملاً للقسمين يمكن إدماجهما في تعريف واحد نستخلصه من الاستعمالات المختلفة للفقهاء، وهو ما يثبت للإنسان استيفاؤه؛ سواء أكان عامَّا أو خاصَّا، وسواء أكان حقَّا متعلقًا بالمال؛ كحق الملك في الأعيان، وحق الانتفاع بالعين المستأجرة أو المستعارة، وحق الحبس في المرهون، أم كان حقًّا غير مالي؛ كحق الولاية للشخص على أولاده، وحق الزَّوجية ومنه حق الطَّاعة لولي الأمر، وحق الشُّورى للأفراد الذين يتأهلون لذلك وغيرهما من الحقوق السياسية.
         ولا يأبى الفقه الإسلامي تقسيم فقهاء القانون له إلى شخصي وعيني، فالأول: دين أو عمل أو امتناع عن عمل لشخص على آخر؛ كالثمن المؤجل، ومنفعة الأجير، والامتناع عن الانتفاع بالمرهون أو الوديعة، والحق العيني هو علاقة اختصاص لشخص على شيء في مواجهة الناس جميعًا؛ كحقِّ الملك، وحقِّ التَّصرُّف في المَملوك، وحقِّ الارتفاق بالشرب، والطريق، ووضع الجذوع على حائِطِ الجار.
         وأسباب اكتساب هذه الحقوق إمَّا اختياريَّة، وإمَّا جَبْرِيَّة، فالأولى: العقد، والعلم النافع؛ كالفضالة، ومنها ما إذا أنفق على اللقيط بغَيْرِ إذْنِ القاضي عند المالكيَّة، والعمل الضَّار؛ كارتكاب الجرائم، والامتناع الضار.
والسَّبب الجَبْرِي أمران: الأوَّل: أوامر الشارع؛ كالإنفاق على الأولاد، والضرائب من العشر، والخراج، والزكاة، والثاني: هو الإرث.
         معنى التَّعسف:
         التَّعسُّف في استعمال الحقِّ تعبيرٌ واردٌ إلينا عن الحقوقِيِّين الغربيين، فيجمل بنا أن نعرفه بما أرادوا منه، ثم نتكلَّم عمَّا يقابله في الفقه الإسلامي.
         فالتَّعسف في استعمال الحق عندهم هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع، فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع؛ كما سيتبين هذا فيما بعد.
         وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين أمر غير مشروع، أي ممنوع ومحرم من أول الأمر.
أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع.

         أحوال التعسف في القوانين الحديثة:
         ذكرت التَّقنينات الحديثة ثلاثة أحوال للتَّعسف في استعمال الحق هي:
         الأول: أن يأتي الإنسان بعمل مشروع، ويقصد به الإضرار بالغير من غير أن تكون له مصلحة فيه.
         الثاني: أن يأتي بعمل مشروع للحصول على مصلحة ضئيلة له، لا تتناسب مع الضرر العظيم الذي لحق الغير من جراء هذا العمل.
         الثالث أن يأتي بعمل مشروع يقصد به تحقيق مصلحة غير مشروعة، وقد نص على هذا القانون المصري في المادة 4، 5؛ والقانون السوري 5، 6.
         النظرية والفقه الإسلامي:
هذه النَّظرية مسطورة في صميم الفقه الإسلامي وبارزة في آيات الكتاب وأحاديث السنة بأوسع من معناها في القانون، وهي من المبادئ الكبرى التي حفظت بها الحقوق منذ كان الإسلام.
         الأدلة عليها إجمالاً:
         الأدلة عليها من القرآن والسنة:
         الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
         سبب نزول هذه الآية كما أخرج ابن جرير وابن المنذر، أنَّ رجلاً من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلَّق زوجته حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها إلا يومين أو ثلاثًا راجَعَها ثُمَّ طلَّقها، فعل ذلك بِها حتَّى مَضَتْ لَها تسعةُ أشْهُرٍ يُضارُّها، فأنزل الله تعالى الآية.
         يعني - والله أعلم - إذا طلَّقْتُمُ النِّساء فقارَبْنَ انْقِضاءَ عِدَّتِهن فأمسكوهن بالرجعة؛ بما هو متعارف في الشرع من حسن العشرة، أوِ اتْرُكوهُنَّ حتَّى تنقضي عدتهن، ولا تُراجِعُوهُنَّ مُضارِّين لَهُنَّ بِهذه الرجعة، فيتحقق بذلك عدوانكم عليهن.
         الدليل الثاني: قال الله تعالى بعد بيان نصيب الإخوة لأم من الميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12].
         يعني - والله أعلم - لكل من الإخوة لأم نصيبه بعد أداء دين المورث، وإخراج وصيته، على أن يكون المورث قد أقر بالدين، وأوصى من غير ضرار بورثته، بأن يكون الدين صحيحًا، والوصيَّة لا ضرار فيها.
         الدليل الثالث: ما أخرج أحمد بسنده إلى عبدالله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له))، وما رُوِيَ عن الأوزاعي عنه - صلى الله عليه وسلم - ((يأتي على النَّاس زمان يستحلون الربا بالبيع)).
         وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنَّ الزواج والبيع عمل مشروع والزواج لأجل التَّحليل والبيع لأجل الربا عمل غير مشروع، فلما قصد بالمشروع غير المشروع نهى عنه الشارع، وحكم بفساده؛ لأنه تعاون على الإثم، وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]
         اشتراكية الحق في الإسلام:
         الحقوق الشخصية والعينية ليست مختصة بأصحابها في الإسلام اختصاصًا مطلقًا، وليسوا مستبدِّين في التَّمتُّع بِمزاياها استِبْدادًا عمَّا قد يتبادَرُ من وصْفِها بِالحُقوق الخاصَّة.
         بل الواقع أنَّ للجماعة حقًّا عامًّا مشتركًا بينهم، وذلك من ناحيَتَيْنِ:
الأولى: أنَّ تصرُّف الشَّخص فيها مشروعٌ بشَرْط سلامة الجَماعة من ضررٍ يَنْشَأُ عن استعمال هذا الحق؛ كما يشير إلى ذلك حديث الواقع في حدود الله؛ ولهذا أذن للجماعة في منعه عنِ اسْتِعماله للحقِّ استِعْمالاً ضارًّا بِهم، فصاحِبُ الحقِّ يَجِبُ أن ينظُرَ إلى النَّتائِجِ النَّاجِمَة عنِ اسْتِعْمالِه إنْ قَصَدَ الضَّرَرَ، أو ترك الاحتراس، أو أراد تحقيق مصلحة لا تتكافأ مع ضرر الغير أو مصلحة غير مشروعة.
         الناحية الثانية: أن الحق كما جعل الله فيه مصلحة فردية لصاحبه، جعل فيه مصلحة اجتماعيَّة لصالح الجماعة؛ لأنه من ثروة الأمَّة التي تعتمد عليها، ولهذا نهى الشخصَ عن إتلاف ماله؛ لأنه إن لم يصبه هو بالخسارة أصاب الجماعة، ولأن الله جعل فيه نصيبًا معلومًا للجماعة كما في الزكاة والعشر والخراج، ويدل على هذا النَّهْي عن الاحتكار والنهي عن رفع الأسعار وحق الجماعة في بيع المال المحتاج إليه على صاحبه عند الغلاء الشديد أو المجاعة.
         ويشير إلى هذا الأصل العظيم قول الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، وبهذا تبيَّن أنَّ الحقَّ الخاصَّ فيه جهة عموم نظرًا للوظيفة الاجتماعية التي رتَّبها الشَّارع من النَّاحيَتَيْنِ السَّابقَتَيْنِ.
ولهذا المبدأ ارتباطٌ وثيقٌ بنظريَّة التَّعسُّف في استعمال الحقِّ، من جِهَةِ أنَّ صاحبَهُ يجب أن يشعر بأن لغيره فيه نصيبًا لا يصح الاعتداء عليه.
         التعسف في استعمال السلطة:
         رجال السلطة التنفيذية يتصرفون بالوكالة عن ولي الأمر في حدود الأحكام المشروعة، لذلك لا يجوز لهم أن يفعلوا ما يخالف الشريعة، ولا أن يفعلوا ما لم يفوضوا فيه، فإن فعلوا شيئًا من هذين اعتبر ذلك إساءة في استعمال حُقوقِهِم، وترتَّب عليه إزالة ما لزمه من الضرر فإذا اغتصبوا مال الأفراد وضمُّوه إلى ملك الدولة أو حصَّلُوا ضرائب ظالمة لبيت المال ردت إلى أصحابها وإذا عاقبوا أحدًا بغَيْرِ جريمةٍ أدبوا، ما لم يكن ترتب الضرر عن اجتهاد كاجتهاد القاضي، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إذا رأيتم في اعوجاجًا فقوموني"، وكان - رضي الله عنه - يرسل المفتشين إلى الولايات لمراقبة عماله، وصح عنه أنه عزل سعد بن أبي وقاص لما شكاه أهل الكوفة؛ ومن أجل ذلك أنشئتْ مَحاكم المظالم في خلافة عبدالملك بن مروان لإنصاف أفراد الشعب من ظلم الحاكمين.
         ولهذا نرى أن تقنين العقوبات في البلاد الإسلامية هو احتياط لدرء مفاسد التعسف في استعمال الحق الذي قد يقع من القضاة؛ لأن العقوبات على الجرائم فيما عدا الحدود والقصاص كلها راجعة إلى التعزير، والعقوبات التعزيرية متفاوتة كما أن الجرائم متفاوتة، فالقاضي ما لم يكن خبيرًا بأحوال الناس وما يصلحهم، متشبِّعًا بالعدالة، بعيدًا عن الأغراض والغايات، كثيرًا ما يقع منه الشطط في تقدير الجريمة وتحديد العقوبة، فكان التقنين هو الضمان الصحيح للعدل بين الناس، وقد اتخذت الوسائل قديمًا للمنع من التَّعسُّف كالحجر على الطبيب الجاهل والمفتي الذي يفتي الناس بالحيل الباطلة وكالحجر على المديان3
         التَّكييف الفِقْهِي للتَّعَسُّف في استعمال الحق:
         عرفنا أن أنواع التعسف أربعة، وأن الثلاثة الأولى منها مبنية على قاعدة سد الذرائع التي تقول: إن المشروع إذا أدى إلى محظور كان محظورًا، أو المباح إذا أدى إلى حرام كان حرامًا.
         والرابع كذلك استعمال محظور لما جاوره من عدم الاحتراس.
         وبناء عليه يكون المتعسف في استعمال الحق قد تسبَّبَ في أمر مَحظورٍ، فيُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا بطريق التسبب؛ لتقصيره عند استعمال حقه، بقصد الضرر أو بالسعي في حصول مفاسد غالبة أو في تحقيق أغراض غير مشروعة أو لعدم الاحتراس، فيكون مسئولاً عن هذا التقصير وترتب عليه حكم مرتكب المحظور، وهو في كل شيء بحسبه كما يأتي، فلا فرق في حكم الشريعة بين من يأتي بما هو محظور من أول الأمر؛ كالضرب والغصب، ومن يأتي بمشروع أدى إلى محظور نتيجة التقصير، كل تتعلق به مسئولية المخالفة.
         وبِهذا يتبيَّن أنَّ التَّعسُّفَ في استعمال الحقِّ في حكم الفِقْهِ هو من الفعل الضارِّ أو الامتناع الضَّارِّ أو العقد المحرم4
         الأحكام المترتبة على التعسف:
         وحكم التعسف إما التعويض إذا أدى إلى إتلاف مال أو نفس كمن حفر في ملكه بجوار حائط جاره فانهدمت، وإما الإبطال إذا كان في التعاقد كوصية الضرار وبيع العينة، وإما رفع الضرر؛ كبناء المالك ملاصقًا لجاره فسدَّ عليه نوافذ الضوء والهواء، وكجباية ضرائب ظالمة ومنع المحتكر، وإما التعزير؛ كما في دعاوى التشهير، وإما المنع من ممارسة الحق المتعسف في استعماله؛ كما في منع الزوج من السفر بزوجه إذا قصد به إيذاءها، والحجر على المديان، والمفتي المحتال على المحرمات، والطبيب الجاهل.

         بعض تطبيقات لمبدأ الإساءة في استعمال الحق:
         1 – حق الوكيل في عزل نفسه:
         الوكالة من العقود غير اللازمة؛ فلكل من الوكيل والموكل حق العزل.
         وبناء على هذا قد يستعمل الوكيل حقه، فيفاجئ الموكل بعزل نفسه في وقت يعجز عن القيام بما وكل فيه أو عن التوكيل به؛ كالمرافعة في قضية قرب موعد نظرها، وهي محتاجة إلى دراسة واسعة وكالقيام بعمل ضروري عاجل والموكل غائب.
         وهذا في نظر الفقه تعسف في استعمال الحق؛ لأنه إضرار عظيم بالموكل بقصد أو بغير قصد، وقد رأينا أبا حنيفة يشترط في عزل أحد الطرفين علم الطرف الآخر منعًا من الإضرار لجواز أن يكون الوكيل تصرف لصالح الموكل تصرفات فيها تبعات مالية ولجواز أن ن تكون هناك أعمال في تركها تغرير بالموكل وإضرار به.
وبناء على هذا فقواعد مذهبه تقضي ببقاء الوكالة وإلزام الوكيل بإنجاز ما وكل فيه دفعًا للضرر وتأديبه إن فرط، وعلى أن الوكيل بالأجر ليس له أن يعزل نفسه قبل إنهاء ما وكل به5 عما في السمسار فإنَّه وكيل يعمل بالأجر6
         2 – حق الخطيب في فسخ الخطبة:
         الخطبة وعد بالزواج وإخلاف الوعد بعذر مشروع، وعلى هذا ففسخ الخطبة بسبب جائز؛ كالمرض المعدي أو المانع له من المعاشرة الزوجية، وعجز الزوج عن دفع المهر، والخلاف المستحكم بين الخطيبين أو أسرتيهما، وإن كان الفسخ من غير سبب كان إخلافًا للوعد من غير عذر بل كان إخلافًا ضارًّا؛ لأن الناس عادة يعلمون بالخطبة ويركنون إليها فينصرف عن الخطبة من يفكر في الزواج منها، فإذا فَسَخَ الخطيب من غير سبب فقد فوَّت عليها فُرَصَ الزَّواج التي كانت سانحة، ونشر حولها الشائعات في أسباب الرفض، الأمر الذي تثور له النفوس وترتكب بسببه الجرائم، ولاسيما في هذا الزمن الذي فسدت فيه الأخلاق وكثرت الظنون السيئة فتتعطل بذلك مصلحتها الأساسية التي أعدها الله لها.
         وإخلاف الوعد إذا ترتب عليه أمثال هذه المفاسد كان منكرًا يجب تغييره ومعصية يستحق فاعلها التعزير عليها.

         تكييف الفسخ بلا سبب:   
وعليه فللقاضي أن يعاقب الفاسخ لا على مبدأ تعويض الضرر، بل على مبدأ التعزير على الإتيان بهذا المنكر وهو إخلاف الوعد المستتبع للمفاسد، والتلاعب بمصالح الناس وأعراضهم لأن التعزير ثابت على كل فعل أو قول فيه إيذاء للمسلم بغير حق زجرًا للناس عن ارتكاب المفاسد والمضار واستصلاحًا لهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: )) مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده((، وهو خطاب لأولياء الأمر، وهذا المبدأ إذا عمل به حمل الذين يريدون الخطبة على الإمعان في التروي قبل الإقدام عليها، وعلى أن يفرقوا بين العدول عن شراء سلعة تم الوعد بشرائها، وفسخ خطبة فتاة كريمة على نفسها وعلى قومها.

         3 – حق الطلاق:
         الطلاق أبغض الحلال إلى الله، لكنه مشروع عند الحاجة كعدم عفة الزوجة، بل قال بعض الفقهاء بوجوبه حينئذ، خشية أن تفسد فراشه وتدخل عليه من ليس من أولاده، ولئلا يقع تحت طائلة اللعنة الواردة في الديوث الذي لا يغار على حريمه.
         ومن واضع الحاجة سوء خلقها في معاملة الزوج أو معاملة الناس، وتضرر الزوج بها في الحياة الزوجية العاطفية لمرض بها أو لعدم انسجام في الطباع، وتفريطها في حقوق الله، وهي لا تطيعه في أدائها حتى لا يعاشر امرأة عاصية، ومن الأسباب عقمها إذا لم يستطع أن يتزوج بأكثر من واحدة.
         فإذا وقع الطلاق لغير حاجة كان مبغضًا إلى الله، ولا سيما إذا كانت الزوجة ذات أولاد منه أو كانت فقيرة، وقد رتَّبتْ حياتَها على العيش معه.
         وعند هذا لا ننكر أن الزوج قد يسيء استعمال حقه فيه لما يترتب عليه من الإضرار بالزوجة.

         هل يجوز المَنْع من إيقاعه إلاَّ بِإذن القاضي؟

         وبعض الناس يريد أن يتَّخذ من مبدأ التعسف في استعمال الحق سبيلاً إلى المَنْع من إيقاعه إلا بإذن القاضي.
         وعندنا أنَّ هذا خطأ؛ لأنَّ إثبات التَّعسف في الطلاق هو إثبات أنَّ الزوج أوقعه من غير حاجة مشروعة تدعو إلى إيقاعه، والقضاء لا يستطيع إثباته بطُرُقه المعروفة ومعاييره الصَّحيحة؛ لأنَّ الكثير من أسباب الرخصة في الطَّلاق التي شرحنا بعضها: خفي لا يستطيع المسلم ذكره لأنَّ الله تعالى يحب الستْر على عباده، وفتح هذا الباب قد يؤدي إلى المُصارحَة بأشياء هي من السرية والخطورة بحيث يضر الزَّوجة إعلانها؛ بل قد يضطر الزَّوج الذي لا خلاق له إلى انتحال أسباب كاذبة ضارَّة بالمرأة، ولا يستطيع القضاء الوقوف عليها، وماذا يفعل القاضي إذا قال الزوج: إني أكرهها، وإن أمسكتُها أمسكتها على بغض ومضارَّة.

         4 – حق تعدُّد الزَّوجات:
         تعدد الزَّوجات مشروع قطعًا إلاَّ عند خوف الزَّوج أن يظلم من في عصمته، فعندئذ لا يكون حقًّا له، والظلم المانع هو الظلم في الإنفاق، أو في الإقامة عند الزَّوجة، أمَّا المحبة وميل القلوب فأمره إلى الله، وقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّه خارج عن استطاعة البشر، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، والدَّليل على أنَّ العدل المشروط في الآية ليس هو المحبَّة التي أخبر الله عنها أنها غير مستطاعة قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إنَّ هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك))، يعني ميل القلب.
         والتَّعدد مشروع لحاجات اجتماعيَّة وعاطفيَّة لا يستطيع بنو الإنسان الاستغناء عنها، والذين منعوا التَّعدد بالقانون والقضاء وقعوا فيه من طريق السر والجريمة، وليس هنا بسط أسباب التَّعدد؛ وإنما إجمال ما نريد أن نقوله هنا أن الله العليم بأحوال عباده، وما يصلحهم شرعه لمصالح اجتماعية سامية، وأقلها عند المحافظة على العدل الواجب أنه ارتكاب لأخف الضَّررين، وهو المتعة من طريق حلال.
         لهذا لا يمكن أن يثبت من طريق القضاء في حق التَّعدد تعسف في استعماله متى تحقَّق العدل الواجب.
         نعم؛ قد يتعدَّى الناس فيفعلون ما ليس مشروعًا، وهو التَّزوج مع العجز عن تحقيق العدل، فإذا شاع ذلك بين الناس، ولم تكن لهم من ضمائرهم رقابة على أنفسهم في تنفيذ أوامر الدين، ساغ للقضاء أن يتدخَّل فيمنع من التَّعدد كل من يثبت بالأدلَّة أن حالته المالية لا يستطيع معها أن يَمون نساءه، أو يعدل بينهن.
         ونخلص إلى أن كل تعسف في استعمال الحقوق سواء الخاصة أو العامة يلحق ضرراً بالغير تمنعه الشريعة الإسلامية التي كما أسلفنا لها قصب السبق في مجال إجراء الموازنة بين استعمال الحقوق الشخصية وعدم الأضرار بمصلحة الغير، فالواجب على كل مسلم ولاه الله امرأ من أمور المسلمين إن يتقي الله فيمن تحت ولايته، وان يعاملهم بالرفق واللين ولا يتعسف في استعمال السلطة والتشديد عليهم بدون وجه حق، حتى لا تصيبه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم )اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم، فارفق به(


المراجع المعتمدة

. كتاب  التعسف في استعمال الحق بين الشريعة والقانون  للاستاد الجامعي محمد القط
. الاعتماد على الانترنيت
. كتاب مدخل الشريعة الإسلامية للاستادة سلوى بن كروم

./2.1انظر في كتاب  التعسف في استعمال الحق بين الشريعة و القانون للأستاذ و الباحث الجامعي محمد القط.ص.

 3 انظر في هذا البحث: "فتح القدير" وابن عابدين في بابي التعزير والقضاء، و"رسالة العرف" للباحث، و"تاريخ الكامل" لابن الأثير في تاريخ عمر.
4 مثال الامتناع الضار: امتناع المحتكر عن بيع ما احتكره، والناس بحاجة إليه؛ حيث يجير على البيع ويعزر، وامتناع التاجر عن البيع بالثمن المسعر؛ حيث يجبر عليه ويعزر، وامتناع العمال الذين تتوقف عليهم إدارة المصانع الضرورية للدولة كمصانع الأسلحة ومواد البناء والأطعمة؛ حيث يجبرون على العمل بأجر المثل، وامتناع الطبيب الذي تعين لعلاج مرض معين.
5  لباب اللباب" لابن رشد المالكي.
6  فتح القدير جـ 7 ص 78. 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Cours Procédure Civile marocaine

Cour Procédure Pénale Marocaine

Droit foncier

Droit Pénal Spécial

Droit Bancaire

Instruments de paiement et de crédit

Droit Commercial Marocain

Droit Constitutionnel

Criminologie